الاثنين، 11 نوفمبر 2019

الكوميدي الذي يحفر المقابر في الحروب الأهلية

     في نهاية القرن العشرين كنت في بداية العقد الثاني والتي من الطبيعي الذهاب إلى مدارس حفظ القرءان الكريم، في كل صباح لما تشرع الديوك الصياح وتغرد الطيور في أوكارها بألحان تنادي بها باليوم الجديد، تتقلب على تلك السرير بعد نوم عميق وقدطافت بك الأحلام عوالم قريبة إلى الخيال والذي يتحقق فيه المستحيلات منها الطياران في الهواء الطلق، وبعض تلك العوالم مرعب لأنك تقطع فيه الكيلومترات خوفا من حيوانات المفترسه وشرير قاتل، وقد تشاهد خلاله موت أحد الأشخاص الذي تعرفه.

بعد الأستيقاظ فزعاوالتنفس العميق والإلتفات باليمين والشمال " أنا بخير" تحدث بها نفسك، تزداد فرحا بأنه حلم وليس حقيقة، وربما من الصعب القيام بسرعة من الفراش وتنهال عليناتوبيخ الأمهات أو الجدات الحنونة وتتحرك قليلا ثم تستمر في النوم، وبعد عشرة دقائق ترجع الأم مرة أخري حيث تهددك بسب المياه البارد عليك في حين عودتها وأنت نائم.

متثاقلا وغير مرغوب بمفارقة السرير، تتحسر على فوات أوان النوم والذهاب إلى المدرسة التحفيظ حيث لم تكن حافظا في درس اليوم بالأضافة إلى عدم القدرة على ردأسئلة المعلم القوية البنية الذي عصاه لا تفارق يده وهوايته الضرب ولم يتلق أي تدريب في مهنته التربوية ولا يبالي الألام الجسدية والنفسية علاوة على ذلك أنه لاتوجد في المدرسة أدوات التسلية في ملأ الفراغ العاطفي للطفل.

ومجرد مقابلته في الطريق تحاول الإخفاء كي لا تحتاج إلى ممبرات بعد العودة إلى مدرسة بسؤال
" لماذا أنت في هناك؟ " الصعبة الرد؛ لانك في أحد المحظورات في لأئحة المدرسة غير المدونة أي تلعب كرة القدم في أزقات الحى.
في كتاتيب حفظ القرءان لا يمكن لبس الثياب الجدد ولا ذوات الألوان الفاتحة لإستخدام الحبر المكون من الصمغ وبودرة الفحم النباتي واللواح المنحوت من الأشجار المنتشرة في الصومال في حفظ القرءان الكريم والكتابة من جهه و شح بالثياب المتنوعة لمعظم الطلاب من جهة الأخرى بسب تدني مستوي الإقتصاد الشائع في البلاد.
في الطريق تعرفت على رجل طعن في السن الذي تبدو عليه القوة التي ودعته وتركت أخاديد جسمه تتحدث عن حفر تأريخية وتجارب في الحياة ولديه أربع زوجات و مائة وأربعين ولد وحفيد في عام ١٩٩٩م، عائلته تشكل قرية بدرجة أنهم لن يحتاجون من يلعب معهم كرة القدم ويشتهر في منطقته بإسم "نونو" الحفار.
ومع تنوع المهن والحرف حسب المواهب والإهتمات مثل الملاحةوالزراعة والهندسة والطب وغيرها من الحرف يمتهنونها المؤهلون ويجنون عبرها المال بالأضافة إلى الشهرةمثل نجوم افلام والملاعب، الذين يعشقهم ملايين الذي يتمنون لقاءهم في يوماما، فإن نونو هو نجمنا المفضل في زمن الحروب والتي أصبحت مطالبة حفرالمقابر روتينيا ولاسيما في الناطحات القبلية والأيديولجية وبالتالي فأن عشرات مقابر مستعدة مسبقا لاشتباكات العشائريةومن ثم حاجةلإستقبال نزلاء الجددليصبح مثواه الأخير.

ويغدو نونو إلى عمله في الصباح الباكر معه تلك الأدوات البسيطه ويطمح مزيدا من الحراك والنشاطة لأداء مهمته، وان البشاشة لا تفارق وجهه الهرم، كوميدي يسرد القصص بطريقته ويعود بك الزمن إلى أزمنة غابرة فشتان فيما بين وطيفته وموهبته الفنية وحسه المرهف وذاكراتة الفريدة، ورغم وجود فارق السن كبير بيننا وبينه إلا أنه كان يتماشي بعقلية الشبان وطريقتهم في التعبير ولهجاتهم السوقية، كيف لا ! وهو يدير تلك القرية المتعددة العناصر.

وكان يمازحنا تحت شجرة أمام منزله لما كبر وعجز عن الحركة ولكن أدواره لم يكن شاغرا إذ قام أحد إبناءه الذي تدرب على يده على إكمال مسيرة إبيه ويكررنونو دائما أنه يحبنا ويجب حياة الجميع ولكن موت أحد السكان هي الطريقة الوحيدة التي يجني بها الأموال للعيش به ولأسرته الكبيرة، إذ هو يحبنا ويتمنى لنا الموت.
وبعد سنوات طويلة عدت إلى تلك الشجرة وجلست لإستعادة بعض الذكريات الماضية ولكن الأكثر إيلاما أنك لن تسطيع  لقاء نونو مرة أخرى لأنه سلك نفس الطريق الذي كان يوما ما مصدرا لرزقه وطريقة عيشه لقدوقع براثين المنية.

هل لديك صديق يعمل في هذه الوظيفية؟ وهل تمنيت له
مزيدا من العمل؟
شاركونا فى أراءكم في التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ضحايا الحروب لا يملون.......

   كانت ليلة هادئة بمنتجع ليدوا أحد أجمل المنتزهات مقديشوا والتي تستقطب آلاف الصومالين في كل يوم، عدد من الأمواج متلاحقة تنكسر قبالة جموع ...