في خضم الحروب والمجاعة والخوف والأمراض والتشريد، وكل ماهو من شيم بلدان النزاع والفشل السياسي ليس المعني انعدام النخبة القائدة،والعقول المفكرة، والثقافة في تلك المجتمعات بل هم موجودون بكثرة ولكنهم مهمشون في الساحة السياسة وتقودهم في السلطة شرذمة أوصلهم الحظ الى القمة.
ماهوالمفقود في البلاد؟
وفي التسعينيات لما كنا أطفال نجلس تحت شجر مظلة في الحي مع كبار السن يتحدثون تواريخ أصبحت خبر كان، نستأنس بها علها تملاء الفراق الوجداني الناتج عن الحروب المستمرة ،ومن بين كبار السن من إذا سرد الحديث أنصاغ اليه الجميع ويروي تفاصيل الأيام المرة ويجهش الخاضرون بالبكاء تارة ويتمتعون بقصصه تارة أخرى، علاوة على ذلك علمنا بعض الكلمات باللغة الإيطالية، أنه العم علي، العجوز المخضرم الذي دخل مغديشو عاصمة الصومال 1930م وعمل ماسح الأحذية في أيام الأستعمار الإيطالي الذي كان يحكم جنوب الصومال وعرفت فيما بعد بإسم الصومال الأيطالى، ثم نادلا في إحدى المقاهي الإستعمار . وبعذذلك تحول إلى السواق لعربة الفرس والتي كانت أنذاك بمثابة حافلات نقل العام في الحاضر وتسع لستة أشخاص يدفعون الليرة الأيطالية، وهي العملة الرسمية في جنوب الصومال في ذلك الوقت حسب ما تحدث إلينا العم علي.
حديثه كان كقصة في مسلسل تاريخي يوميا علما بأنه لا توجد في العاصمة مغديشو أئذاك إذاعات مستقلة ناهيك عن التلفاز ووسائل الأعلام الرقمية، ما عدا جرائد اليومية الناطقة بأسم القبائل الصومالية حيث يعتمد المجتمع وخاصة الشيوخ منهم في تلقي الأخبار اليومية عبر البي بي سي والتي تبث عبر الموجات القصيرة والمتوسطة مجتمعين في مقهي توفرلهم تلك الخدمة مجانا، وعادة ماتنتهي الجلسة في نقاش وتحليل ما ورد في الأذاعة المسائية.
ويبالغ العم علي في وصف ويلات الاستعمار الإيطالي وجهود الصومال في رفع مظالمه والأستقلال منه، ثم يتوقف عن الحديث وتذكر مأساة الشعب الصومال بعد إنهيار الحكومة المركزية في خريف عام 1991م ويتذكر البيوت التي هدمت والطرق التي قطعت والمدن التي هوجرت منها والدماء التي سفكت والمحارم التي هتكت، مزارع التي حرقت، على أيدي المسلحين الصوماليين الذين أخذواالسلاح في تلك الثورةوعلق أمالهم ملايين من الشعب الصومال في إنهاء الحكم العسكري الذي حكمهم بالحديد والنار طيلة عقدين من الزمن وفي ذلك الوقت بالذات فتحت أبواب جهنم على الشعب الصومال، فيمكنك أن تقارن الخسائر التي نتجت عن الحرب الصوماليين للأستعمار والحروب الأهلية والتي لم تكن بحاجة إلي الشرح لأننا نعيش بتفاصيلها ولدينا أسماء من الأبناء المنطقةالذين أزهقت أرواحهم بأشياء بسيطة لا تستحق تلك المجازفة،
ثم يتابع العم على حديثه فيبدء زرع روح الأمل في نفوس الحاضرين ذاكرا تواريخ بلاد مروا بنفس التجربة وذاقت شعوبهم الألوان البأس والحرمان وأعادت اليهم الحياة بعد تلك الرحلة الشاقة بحكمة شيوخها وجهد أبناءها.
وبعد بضع عشرين عاما من وفاة العم على وجدت نفسي قد عادت إلى ذكريات تلك الأيام المليئة بالحوادث مثلا : حسن مات برصاصة طائشة، صالح قتله أبناء قبيلة فلان ثأرا على أبنها المقتول وغيرها من القصص الحزينة، وذلك لعدم وجود السلطة الشرعية والتي تحكمهم وتدافع حقوق المدنيين، وتمنع إنتهاك الكرامة الإنسانية، وأدركت بأننا لاتنقصنا الثرواة ولاالنخب ولاالقيادة، كما يقول الفيلسوف افلاطون " أن الطبقة الحاكمة لا بد منها الحكمة وإرادة في تدبير شئون البلاد والعباد" ونحن في تلك الحقبة التي يسود في بينا قانون الغابة "القوي يأكل الصعيف" يا للأسف ،ولولا تلك الحكمة المفقودة لهانت الأمور ؛لأنها الوسيلة الوحيد لتحقيق العدالة الإجتماعية والتي هي اللبنة الأولي في تحقيق مسار الدولة والسير نحو دمقرطة الحكم ووضع الأمور في نصابها والتماسك في سبيل التقدم والتطور ونبذ الفرقة والإختلافات والتي لاتعي شئا مقارنة في مصلحة العامة.
والخلاصة : يعيش الشعب الهندي المتكون من أعراق وأديان مختلفة في ظل دولة واحدة، بينما يعجز الشعب الصومالي المنحدر من عرق واحد ويعتنق الإسلام مائة في المائة في تكوين دولة مركزية ويلجأ الفيدرالية إنها الحكمة المفقودة ياسادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق